قرأت كتاب (الثالوث المُحرّم) للمؤلف بو علي ياسين وأنا في السابعة عشرة من عمري، وحتى الآن أجد أن أغلب ما قرأته واقعاً مؤلماً يعيشه الإنسان العربي.
ويناقش الكتاب المُحرّمات الثلاثة التي يُمنع الحديث فيها وعنها: الدين، والجنس، والصراع الطبقي.
المُحرّم الأول الدين: حتمًا إن المشكلة ليست في الدين، إنما في تفسيره بحسب رغبات وأهواء رجال الدين، ولقد كانت الأمور الدينية محل جدل عقلاني في زهو الحضارة الإسلامية، ولم ينكر أحد آنذاك على المتكلمين وإخوان الصفا والمعتزلة وغيرهم، المناقشة التفصيلية العقلانية في الدين، ولم يُكفرّهم أحد، بل على العكس، أضافت تلك الأفكار إلى الفلسفة الإسلامية وأثرتها.
وأعتقد إن المشكلة العويصة في فهمنا للدين، هو التناقض بين السلوك والفكر، لأن الكثير من الناس يتمسكون بقشور الدين ويبتعدون عّن لبه، فالدين ليس عبادات ومظاهر خارجية فحسب، بل الأصل هو الفعل والسلوك، وتطبيق الإيمان سلوكياً وعملياً، في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا اليومية.
فكيف يمكن أن يسرق ويكذب ويفسد المرء، ويؤذي أهله مثلاً ولكنه ينافق الله ليصلي ويصوم!
يقول الكاتب السوري مفيد نجم: "مارست أجهزة الرقابة العربية سلطة المنع والمصادرة والحذف من خلال تلك المُحرمات، حتى أصبح الكاتب عاجزًا عن مقاربة هذه الموضوعات تلميحًا أو تصريحًا ، خوفًا من سلطة هذه الرقابة.
ومع تنامي دور الجماعات التكفيرية والإرهاب، جعل منها سلطة رقابة جديدة، أشدّ بأساً وأكثر بطشاً وخطراً على حرية الثقافة والكتابة. وقد وجدت أنظمة الاستبداد العربية في هذه الظاهرة فرصتها لإشغال مثقفي التنوير، وتهديدهم بهذا البديل القادم إذا ما استمروا في مناهضتهم لها، في حين ساهم ضعف الدولة، الذي قابله نمو تلك الجماعات في بعض الأقطار العربية، في تشديد دور الرقابة على الكاتب والمثقف، بعد أن استطاعت تلك الجماعات الهيمنة على المؤسسات الثقافية فيها".
نعلم جيداً أن تلك الجماعات المتطرفة والمتأسلمة صناعة صهيونية ماسونية غربية، من أجل تأجيج الصراعات الدينية والمذهبية في الشرق وخاصة في الدول العربية، لكن حتماً تم استغلال الكثير من البشر ليدخلوا في أتون هذه الصراعات دون علمهم بمن يقف فعلاً خلفها.
يقول ابن رشد: إذا أردت أن تتحكم في جاهل عليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني.
المُحرّم الثاني: الصراع الطبقي، وله علاقة بالسياسة، وتحريم الحديث عن أسباب الظلم والفقر والجهل والبطالة والمرض والأمية وغيرها من مآسي، لأن أصل كل البلاء في العالم هو الاستبداد والفساد.
يقول محمد مهاتير:
"لا يوجد بلد فقير وبلد غني، بل توجد حكومة فاشلة وإدارة فاسدة وحكومة ناجحة وإدارة سليمة".
ويقول ابن خلدون: "إذا تعاطى الحاكم التجارة فسد الحكم وفسدت التجارة".
ويقول مانديلا: "الفاسدون لن يبنوا وطنًا، أنهم يبنون ذاتهم ويفسدون أوطانهم".
المُحرّم الثالث: الجنس وهو من أكثر المُحرمات قوة، لأن له علاقة بالمفاهيم السائدة في المجتمع، والخوف من العار والفضيحة، والتستر على أكبر الجرائم والمجرمين حتى من قبل أقرباء الضحية، خوفًا فقط من الفضيحة، والأدلة لا تُحصى.
من فضيحة الاعتداء على الأطفال في بعض الكنائس والمساجد والمدارس، إلى جريمة اعتداء بعض الأقارب على أطفالهم.
وطبعًا من أمن العقوبة أساء الأدب والأخلاق.
لذلك نقول إنه لا عاصم إلا الوعي والتربية والأخلاق.
وفي المجمل علينا ألا ندفن وجوهنا في الرمال، بل نناقش بوعي ومسئولية كافة تلك المُحرمات مع الأجيال الشابة، لكي يعرفوا الخطأ من الصواب. وبذلك نستطيع حماية مجتمعاتنا العربية من التخلف والفساد.
----------------------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
* سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الأوروبية للتنمية والسلآم